إخوتي زوار الموقع // أود أن أقدم لكم تحليل الزعيم الليبي حول بطلان قرارات المحاكم الجنائية الدولية تضامنا مع الرئيس السوداني
بطلان المحاكم الجنائية الدوليّة
تُمثّل المحاكم الجنائية الدوليّة نظاماً دولياً قائماً على الانتقائية وازدواج المعايير، فهذه المحاكم يجمع بينها فقدانها الشروط الواجب توافرها في أي محكمة لتكون قانونيّة.
فمن المعروف أن من شروط المحكمة هو أن تُقيمها سلطة شرعية، تستمدّ شرعيتها من وضع قانوني، وأن تكون الوقائع التي تنظرها تُشكّل جرائم محددة وصفاً وعقوبة في قانون نافذ سابق لارتكابها، وأن يكون هذا القانون صادراً من جهة تشريعيّة قانوناً ، وأن تتوفر لقضاتها الاستقلالية والقدرة على إصدار الأحكام بعيدا عن أية مؤثرات، وأن تشتمل قواعد المحكمة الإجرائية على ضمانات للمتهمين تُحقِّقُ العدالة، فهل هذا متوافر في المحاكم الجنائية الدولـيّة؟ الجواب لا!!
الواقع أن المحاكم الجنائية الدولية التي عرفها العالم إمّا أنشأها منتصرون في حرب كما هو الحال في محكمتي نورمبرج وطوكيو العسكريتين اللتين أقامهما الحلفاء المنتصرون في الحرب العالميّة الثّانية، وإمّا أنشأتها سلطة " دوليّة " مطعون في شرعيتها كما هو الحال في محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا اللتين أنشأهما مجلس الأمن .
فالحلفاء عندما شكّلوا ـ في أعقاب الحرب العالميّة الثّانية ـ محكمتي نورمبرج وطوكيو لم يستـندوا إلاّ إلى شرعيّة المنتصر في الحرب، القادر على فرض الشروط التي يُريدها على المهزومين، وقد أقاموا هاتين المحكمتين على النحو الذي يضمن لهم إدانة خصومهم كمجرمين، و يضمن لهم تبرير الجرائم التي اقترفوها هم في الحرب وعلى رأسها جريمة إبادة مئات آلاف المدنيين باستخدام سلاح يتجاوز حدود الحاجة إلى ردع الخصم وهو القنبلة الذريّة، ولم يكُن لهذه المحاكم من معايير العدالة شىء مذكور فهي:
• محاكم شكّلها قادة سياسيون وعسكريون لقوات احتلال ولم يكُن قضاتها محايدين، بل كانوا الخصوم أنفسهم في ساحة المعارك ، وهؤلاء لا يجوز لهم ذلك وفقا لمعايير العدالة المتعارف عليها حالة كونهم طرفاً في الخصومة.
• لم يكن المتهمون أمام تلك المحاكم إلاّ أسرى حرب لا تجوز وفقاً للقانون الدولي محاكمتهم.
• ليست الأفعال التي حُوكم عنها المتهمون جرائم محدّدة منصوصاً عليها في تشريع نافذ سابق لها كما تقتضي العدالة، بل إن الذي حدّد لائحة "الجرائم" هم الحلفاء المنتصرون بعد ارتكاب الفعل ، وهذا يُمثِّل انتهاكاً لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، ولمبدأ عدم رجعية القوانين أي عدم سريانها بأثر رجعي.
• ثم إن محكمة (طوكيو) أُنشِئت بأمر خاص أصدره الجنرال (ماك آرثر) وأوجد هذا الأمر الفردي - الذي هو قانون تلك المحكمة التي ذهب ضحيتها اليابانيون المساكين في تلك السّاعة – جرائم بدعيّة جديدة لا وجود لها إلاّ في رأس (ماك آرثر) .
• إن "الجرائم" التي حوكم عنها المتهمون إذا صحّ وصفها بالجرائم كان ومازال تعريفها محل خلاف بين دول العالم.
• لم يجر تعقب المنتصرين ومحاكمتهم عن جريمة استخدام القنبلة الذريّة.
• إن أحكام هذه المحاكم لم تقم إلاّ على الظنون والشبهات ولم تستند إلى أية أدلّة ولا حتّى قرائن ، فمحكمة طوكيو مثلاً التي شكّلها الجنرال الأميركي ماك آرثر عام 1946 أدانت قائد الجيش الياباني المُسمّى "ياماشيتا" عمّا اعتبرته "جرائم" الجنود الخاضعين لإمرته في الفلبـين، وحكمت عليه بالإعدام رغم ثبوت عدم إعطائه أي أوامر، بل و حتّى عدم إمكان علمه بما يكون قد حصل، بسبب فراره من ساحة القتال.
ومن الأدلّة على صورية تلك المحاكم ، وأنها كانت فقط لتبرير سلوك الحلفاء في الحرب الذين تجاوزوا حق الدفاع المشروع، لم تقم روسيا على خلاف الأميركيين والانجليز والفرنسيين بمحاكمة أيّ من العسكريين الألمان في المنطقة المحتلة من ألمانيا التي تقع ضمن دائرة سيطرتها عندما ترك الأمر لها وحدها برغم أنها أكثر المتضررين في الحرب.
إن المحاكم الجنائية الدوليّة محاكم باطلة، و أحكامها كذلك ، ومن حق ضحاياها الذين اكتووا بظلمها أو ذويهم أن يطالبوا بالتعويضات العادلة من صانعي هذه المحاكم، وعلى رأس هذه التعويضات ردّ اعتبارهم وإعادة تناول وقائع الحرب العالميّة الثانية من جديد أمام محاكم مستقلّة ولكلا طرفيها الذين كسبوها والخاسرين،لأن تلك المحاكم لم تُحاكم الذين ارتكبوا جرائم من الطرفين بل حاكمت طرفاً واحداً فقط وهو المهزوم . والأهم هو أن الجرائم التي حوكموا من أجلها لم يكن منصوصا عليها في أي قانون ، وبالتالي فإن هذه المحاكم مخالفة للقاعدة القانونيّة التي تقول: لا عقوبة ولا جريمة إلاّ بنص، وبشرط أن يكون النص سابقا لارتكاب الجريمة.
وينطبق الأمر على المحكمتين الجنائيتين الدوليتين المؤقتتين ليوغوسلافيا السابقة و لرواندا، ذلك أن هاتين المحكمتين أنشأهما مجلس الأمن، وهذا المجلس مطعون في شرعيته فقد تشكّل بنفس الطريقة وتحت نفس الظروف التي تشكّلت بها و فيها محكمتا نورمبرج وطوكيو، فهو نتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية أراد به المنتصرون ضمان فرض قواعد السياسة والعلاقات الدوليّة بعد الحرب على النحو الذي يريدون ، وليس غاية حققتها دول العالم جميعها في ظروف ملائمة من استقلال الإرادة وحرية الاختيار ، علاوة على أن مجلس الأمن بمثابة حكومة ، والحكومة ليس من حقها إصدار القوانين وإنْ كان من واجبها تنفيذها، فـالقوانين يُصْدِرُها المشرعون الذين يختارهم النّاس، وهو مجلس مطعون فيه وفي المهام التي يُمارسها في الوقت الحاضر لأنه يُمثِّل أقليّة، و دول العالم لم تُشكِّله حتّى يجوز له أن يُحاكم أبناءها الذين لم يشكلوه. ويكفي أن محكمة العدل الدوليّة أصدرت حكما أمام العالم كُلّه بأن مجلس الأمن غير مختصٍّ بقضية لوكربي. ومع هذا ضرب مجلس الأمن بهذا الحكم عرض الحائط واستمر في التعاطي مع قضية لوكربي بدون وجه قانوني دولي. وبخلاف ذلك لم يتعاط هذا المجلس مع الحكم الصادر عن المحكمة المذكورة فيما عُرِف بِـ " قضيّة الأنشطة العسكريّة وشبه العسكريّة في نيكاراغوا وضدّها".
ليس لما يُسمّى بمجلس الأمن الدولي أي حق قانوني في تشكيل محاكم. إن المادة 29 من الميثاق لا تعني أبداً إنشاء محاكم بل تعني إنشاء أجهزة إدارية لفروع ثانويّة ، وإن استغلال مجلس الأمن هذا النص وغيره هو تطاول فظّ على سيادة الشعوب .
وعليه فإن قرارات ما يُسمّى بمجلس الأمن الدولي الخاصة بإنشاء محاكم هي قرارات باطلة تماماً وفق القانون الدولي، وقواعد الفقه القانوني.
إن المحاكم الدوليّة الحالية صُمِّمت على طريقة المحاكم الدوليّة السابقة أي لمحاكمة المهزوم الذي هو الطرف الضعيف وليس لمحاكمة كل من ارتكب جريمة من الطرفين.
يُضاف إلى ذلك أن المجلس استند في إنشائهما إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو بهذا يثبت تسيـيسهما وعدم نزاهتهما.
كما أن البطلان يمتدُّ إلى المحكمة الجنائية الدولية المؤقتة لسيراليون، فهي حتّى إذا استُنِد في تشكيلها إلى طلب حكومة سيراليون فإن هذا لا يوفّر لها شروط المحكمة القانونية إذ إنها خارج منظومة القضاء الوطني لِـ سيراليون ، ولا تخضع في نظامها وفي أحكامها لرقابته بسبب:
• أن نظام هذه المحكمة يخضع في جانب منه لما عُرِف بمبادئ القانون الدولي المستخلصة من النظام الأساسي لمحكمة أخرى باطلة ومن حيثيات أحكامها وهي محكمة نورمبرج.
• أن رئيس هذه المحكمة والمدعي العام أمامها ليسا من سيراليون.
• أن بين قضاتها أجانب لا يخضعون للسيادة الوطنية التي يُشكّل النظام القضائي أحد مكوّناتها.
• أن تنفيذ أحكام هذه المحكمة سيكون خارج سيراليون
أرجو أن تتابعوا الجزء الثاني من التحليل وانتظر ردودكم