[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]برلمانات عبودبعد أن أطاح الفريق إبراهيم عبود بحكومة السيدين ووطدت أركان حكمه شعر بحاجته إلي مؤسسة دستورية تشريعية تقلل من وجه الحكم الديكتاتوري فطرح ما أسماه فكرة مؤسسات التطور الدستوري فكان أهمها إنشاء مجالس محلية للقري ومجالس المديريات ثم المجلس المركزي كي يكون بمثابة برلمان السودان.
يقول محمد محمد أحمد كرار في كتابه تاريخ البرلمانات في السودان إن جميع الأحزاب السودانية رفضت بصورة علنية دخول خذا المجلس لأنه لا يقوم حسب تبريراتها علي مبدأ الانتخابات الحرة لإسهاب جميع هذه الأحزاب وفي مقدمتها الحزب الشيوعي سارعت لدخول هذا (البرلمان) الذي لم يعمر طويلاً بسبب ثورة تشرين الأول (اكتوبر) عام 1994 التي أطاحت بحكم العسكر.
برلمانات الديمقراطية الثانية (الجمعية التأسيسية)بعد سقوط نظام عبود عادت الحياة للديمقراطية الليبرالية وعملت الحكومة الانتقالية برئاسة سر الختم الخليفة علي التحضير للانتخابات للجمعية التأسيسية حيث نص ميثاق انتفاضة أكتوبر علي ضرورة قيام الحكومة الانتقالية التحقيق لانتخابات خلال ثلاثة أشهر وأجري تعديل علي قانون الانتخابات وأجريت الانتخابات وجاءت ذات الوجوه القديمة بخلافاتها واختلافاتها مما أدي إلي حل هذا البرلمان عام 1968 وقيام انتخابات جديدة وجاء برلمان جديد وهو البرلمان الذي أطاح به انقلاب النميري في أيار (مايو) 1969م.
برلمانات النميري (مجالس الشعب) علي طراز الكنيستبعد أن نجح جعفر نميري في الإطاحة بالنظام الديمقراطي في أيار (مايو) 1969م وحل البرلمان (التعددي) مدفوعاً بقوي اليسار سعي النميري لتوطيد أركان حكمه فابتدع نوعاً من الانتخابات التي تضمن دخول أنصاره في حزبه الاتحاد الاشتراكي ولكنه صوب كل اهتمامه علي البرلمان من الناحية العمرانية فاقتطع مساحة كبيرة من الأرض ملتقي النيلين الأبيض والأزرق، وتعاقد مع شركة رومانية يقال انها نفس الشركة التي شيدت الكنيست الإسرائيلي لتشييد مبني البرلمان علي أحدث طراز مكان هذا المبني الموجود الآن الذي يشبه الكنيست الإسرائيلي في كثير من تصاميمه الداخلية وإن شذ عنه برموزه التي تحمل شعارات ايار (مايو).
وبلغ اهتمام النميري بالبرلمان الذي أطلق عليه اسم (مجلس الشعب) لدرجة أنه صورته بتلك العمامة المميزة علي جانب من العملة وصورة البرلمان الذي بناه علي الجانب الآخر بعد انقلاب هاشم العطا الشهير أصدر النميري قانون انتخابات مجلس الشعب القومي وأجريت الانتخابات عام 1974 بغرض جمعية تأسيسية تضع دستوراً للبلاد ثم تتحول إلي برلمان وقد عمدت تجربة نميري علي التنوع في التمثيل فلم تأخذ بنظام الجغرافيا السكانية بل عمدت إلي تهجين التجربة البرلمانية الليبرالية بدوائر التكنوقراط القادمين من دوائر المهنيين والدوائر الفئوية وعلي مدي الستة عشر عاماً التي حكم فيها النميري السودان تعاقبت خمسة برلمانات تمتد من مجلس الشعب الأول إلي مجلس الشعب الخامس وهي المجالس التي ظل تنظيم الاتحاد الاشتراكي مسيطراً عليها إما بالانتخابات غير المباشر أو التزوير أو التعيين.
بعد الانتفاضة التي أطاحت بنظام جعفر نميري نص ميثاق الانتفاضة علي قيام الانتخابات العامة لانتخاب جمعية تأسيسية بعد عام وقد طلب المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب من الأحزاب السياسية التي تجاوزت في ذلك الوقت 40 حزباً سياسياً بناء أجهزتها والاستعداد للانتخابات التي جرت في نسيان (ابريل) عام 1986 فجاء البرلمان الأخير الذي أطاح به الرئيس عمر البشير في انقلاب 30 حزيران (يونيو) 1989م سبب خلافات الأحزاب السياسية الكبيرة الأمة والاتحادي والجبهة الإسلامية.
برلمانات البشير (المجالس الوطنية)في حزيران (يونيو) عام 1989 حسم العميد (وقتها) عمر حسن البشير النزاع داخل الجمعية التأسيسية بإعلانه حلها بعد استيلائه علي السلطة بدعم من الجبهة الإسلامية فحظر عمل الأحزاب، ومثلما فعل النميري وعبود وبعد توطيد اركان حكمة وبضغط شديد من حليفه وقتذاك حسن الترابي حل البشير مجلس قيادة التورة وقام بتشكيل ما يعرف بالمجلس الوطني الانتقالي عن طريق التعين وشمل كافة الوان الطيف السياسي بأسمائهم وليس بأحزابهم القديمة وان غلب علي هذا المجلس عناصر الجبهة الاسلامية القومية، كما ضم عدداً من المطربين ولاعبي كرة القدم المميزين من امثال نجم فريق الهلال طارق أحمد آدم ومدرب المنتخب الوطني شوقي عبد العزيز، وقام تعين العقيد محمد الامين خليفة احد اعضاء مجلس قيادة الثورة السابقين رئيسا لهذا المجلس.
وبعد انتهاء اجل هذا المجلس جرت انتخابات أخري وجاء برلمان نصفه منتخب ونصفه الآخر معين وهو البرلمان الذي رأسه مهندس الإنقاذ حسن الترابي الذي حاول من خلال نفوذه القوي جمع كل السلطات في يده وجعل منصب الرئيس عمر البشير مجرد رمز مما اغضب الرئيس عمر البشير الذي سارع بحل البرلمان وأعلن حالة الطوارئ في البلاد.
مقاعد متوارثةلازمت التجارب البرلمانية والانتخابية منذ أول برلمان وحتي آخر برلمان ظواهر سالبة كان لها تأثيراتها علي التجربة السودانية البرلمانية منها علي سبيل المثال المقاعد البرلمانية المتوارثة، فقد ظل عدد من المقاعد منذ أول برلمان حكراً علي أسر الجماعات أو طوائف بعينها أما أبرز الأسر التي توارثت مقاعد البرلمانات منذ ما قبل الاستقلال أسرة الشيخ محمد الصديق طلحة. ثم تأتي بعد ذلك عائلة ميرغني حسين زاكي الدين ثم عائلة يوسف العجب وهو ناظر قبيلة الفونج ورفاعة ثم عائلة هباني ناظر الحسانية ثم أسرة الناظر موسي مادبو وهو ناظر قبيلة الرزيقات ظلت أيضاً بعض المقاعد محجوزة لعائلة بحر الدين وآل تاج الدين وهم سلاطين دار مساليت ومن الأسر التي حجزت مقاعدها في البرلمان أسرة الشريف يوسف الهندي وأسرة أحمد يوسف علقم ومحمد إبراهيم فرح وأسرة الناظر بابو نمر.
وظاهرة المقاعد المتوارثة هذه ولدت ظاهرة ما يعرف بـ النائب بالمراسلة وهو النائب الذي يفوز بإشارة من زعيم الطائفة أو القبيلة لأنصاره لمنحه أصواتهم حتي لو كان لم يسمعوا بهذا النائب كما برزت من حين إلي آخر ظاهرة شراء وبيع النواب وانتقالهم من حزب إلي آخر ومن أبرز نواب المراسلة الصادق المهدي وعبد الله خليل ومحمد أحمد المحجوب ومحمد إبراهيم خليل.
خلاصة الأمر أن البرلمانات السودانية رغم عمرها هذا ظلت كسيحة وعاجزة عن معالجة قضايا الوطن الرئيسية، فقد ظلت مشكلة البحث عن دستور قضية أساسية علي مدي العقود الماضية كما ظلت برلمانات السودان عاجزة عن تقديم مبادرة لحل مشكلة البلاد الرئيسية وهي الحرب المندلعة في جنوب السودان منذ أربعين عاماً تقريباً.